نريد للخامس والعشرين من تشرين الثاني أن ينتهي!

أثبت ربيع شعوبنا العربية من جديد، أن المرأة العربية هي قائدة وشريكة في صنع الاحداث وقلب الموازين ونقد الواقع  ورفع التطلعات.  فكان لها الدور البارز والطلائعي في حركات الاحتجاجات الشعبية وكانت اول من انتفض لاشعال الثورة، وأول من دفع الثمن من دمها وحريتها. رغم أن هذا النشاط السياسي العام للنساء ضد الانظمة القمعية ليس بجديد، فالعديد منهن أعتقلنّ وسُجنّ  لنضالهنّ ضد الانظمة الديكتاتورية والاستعمارية على مر السنين، لتكن ثورتهنّ وثورات الشعوب، ثورة كرامة وكبرياء، ثورة ديمقراطية واصلاحات، ثورة عدالة اجتماعية، ثورة تبحث عن القيمة الانسانية التي افتقدتها الانظمة الرأسمالية الاستعبادية. ربما تغلّب التحدي السياسيّ في خضم الثورات والاحتجاجات على التقاليد وعلى الادوار النمطية للنساء فشهدناهن زاهيات في "ساحات التغيير" المختلفة، فما ان سقط النظام حتى عادت مشاهد لهث نساء مصر وتونس للحفاظ على ما حققه كفاحهنّ المتواصل من انجازات تمت في عصر الانظمة البائدة، وهرولتهن لضمان تمثيل النساء ورفع مكانتهن في "مكتسبات" ما بعد الثورة! لتتنغص علينا وعليهن فرحة انتصار الثورة مع ألتجلي ألمستحدث للرواسب الذكورية، ألغير حصرية على مجتمعاتنا العربية، والتي عملت الانظمة القمعية بكد على ترسيخها ، ليتضح ان ما أحرزته نضالات المرأة  من مكاسب على مر السنين، لا تتعدى القرارات السلطوية الرسمية ولا ترتقي لأن تكون نتاج  او انعكاس لتغيير اجتماعي أو ثقافي فعلي على أرض الواقع.

افرازات الثورات العربية المنتصرة، لقنتنا درساً، ليس بجديد، ولكن ربما توقعاتنا  المتحمسة والانفعالية من الثورات أنكرته، أن تغيير ألانظمة والرموز السياسية، رغم صعوبته وثمنه الباهظ، هو اكثر قابلية للتحقيق مقابل إحداث تغيير مجتمعي على مستوى الوعي الفردي والجماعي، حول مفهوم الحرية الاجتماعية التي لا بد الا وان تكون شرطاً للازدهار القومي والوطني وتحرره!

في مجتمعنا الفلسطيني، لم تهب رياح الثورة المنتظرة بعد، رغم تأثرنا الواضح البروز بها، ودعمنا المتواصل لانتصاراتها، ولا يبدو متوقعاً انفجار ثورة فلسطينية لتغيير نظام سياسي أو اجتماعي على المدى القريب، ولكن دروس الثورات الانية علمتنا، ان الثورة ان هبت فلن تصل حدود "الخاص"، فالمرأة وقضاياها في مجتمعنا هي شأن "خاص"، فالشؤون العامة لدينا تقتصر على غلاء المعيشة، مناهضة العنصرية، قضايا الارض، قضايا المسكن، قضايا التعليم وغيرها، أما المرأة وقضاياها فتبقى شأن "خاص"، يخص العائلة، الزوج، الاخ، الاب وربما الاقرباء ايضاً! ولا يصبو لان يكون شأنا عاماً تتداوله انتفاضات او ثورات او حتى جلسات دوائر رسمية حكومية او محلية!

رغم أن واقع المرأة الفلسطينية تمثل بدالة تصاعدية، الا ان مجتمعنا لا زال بعيدياً كل البعد عن تميزه بالعدالة، أو على اقل تقدير ان تسوده معايير المساواة الجندرية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية وثمانون بالمئة من نسائنا غير ممثلات في سوق العمل! لا يمكن التغني بالمساواة بين الجنسين وأربعون بالمئة من فتياتنا يتزوجن دون التاسعة عشرة! لايمكن الحديث عن العدل وببلداتنا  حالات لزواج متعدد! لا يمكن الانحياز للانسانية وعشر نساء تقتل سنوياً! لا يمكن ادعاء التقدمية ونسائنا مقصيات عن الساحة السياسية! لا يمكن الحديث عن الحرية ونسائنا رهينات لقوانين احوال شخصية فيها ما يتطلب الاصلاح ألكثير خصوصاً فيما يتعلق بعقود الزواج والطلاق بما يضمن رغبة النساء الحقيقية في هذه الاحكام!

نحتاج "لغربلة" المفاهيم الاجتماعية والقوانين، نحتاج لدفع العجلة، نحتاج لضمانات نوعية لمنع العنف ضد النساء. ولن تخرج النساء من دوائر العنف الاجتماعية، القانونية، الاقتصادية، الجسدية، النفسية، الجنسية، الصحية والقومية دون رؤيا شمولية. فكيف لمن تزوجت بسن السابعة عشرة أن تكمل تعليمها؟! وهي لم تحظ بفرصة شهادة الانهاء المدرسية، كيف لها توفير العمل والموارد الاقتصادية؟! كيف لها ان تتماشى مع تربية اجيال تتراكض مسرعة في دنيا العولمة!

العنف هو القسوة، الشدة واستخدام القوة ولا يمكن اقتصاره على الجسد والنفس! ان عدم توفير مرافق صحية قريبة للنساء هو عنف! ان عدم توفير المواصلات العامة لنسائنا في البلدات العربية هو عنف! ان عدم اعطاء الفتاة فرصة اكمال تعليمها هو عنف! ان تزويج الفتاة دون اكتمالها العقلي والجسدي والنفسي ودون الوعي للخيار هو عنف! ان عدم توفير اماكن عمل للنساء هو عنف! ان عدم المساواة بالقوانين عامةً والاحوال الشخصية خاصةً بين النساء والرجال هو عنف! ان اقصاء النساء عن الحيز العام، واجحاف حقوقهن في الحيز الخاص، هو عنف!

من اعتقد أننا بحاجة لثورة تحمل بطياتها ألتغيير المجتمعي، فمفاد ألثورات انها ليست عنوانه. فلا بد إلا أن تكاتف جهود أبناء مجتمعنا باختلاف انتماءاتهم وتياراتهم للالتفاف الحقيقي حول المرأة وقضاياها وعملهم الواعي والتوعوي لاهمية رفض الترسبات البالية واستنهاض الحس الانساني نحو مجتمع تسوده المساواة والعدالة، حينها فقط من شأنه ألا يجعلنا نحتاج للانشغال في احياء اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد النساء في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني في كل عام، الذي اتخذته نساء العالم أجمع كيوم خاص لاطلاق صرخة رافضة للعنف الموجه ضد النساء بأنواعه المختلفة – بحيث تتعرض واحدة من كل ثلاث نساء في العالم للعنف-، وربما عندها ننشغل  في استنهاض عقولنا البشرية وتطوير مجتمعنا وموارده والعمل على تقوية حصانته الاجتماعية والقومية، داحضين الظواهر الاجتماعية التي من شأنها اضعاف بنية مجتمعنا الاقتصادية والاجتماعية، كتعدد الزوجات وتزويج الفتيات وكثرة الاولاد الذين يولدون في دوائر الفقر. اذ ان تكاتف الافراد والمجموعات وأخذ المسؤولية الجماعية لرفع قضايانا الجوهرية وفي مركزها قضايا المرأة، سيقود مجتمعنا حتماً للحصانة الاجتماعية التي يحتاجها، وحينها ألمجتمع العادل سيستَحدِث نموذجاً ثوراتياً لثورة حرية قومية تمتاز بتفوقها على مظاهر القمع المجتمعي!